الباب السادس في آداب القرآن
هذا الباب هو مقصود الكتاب وهو منتشر جدا وأنا أشير إلى أطراف من مقاصدهكراهة الإطالة وخوفا على قارئه من الملالة فأول ذلك يجب على القارئ الإخلاص كماقدمناه ومراعاة الأدب مع القرآن فينبغي أن يستحضر في نفسه أنه يناجي الله تعالىويقرأ على حال من يرى الله تعالى فإنه إن لم يكن يراه فإن الله تعالى يراه
فصل
وينبغي إذا أراد القراءة أن ينظف فاه بالسواك وغيره والاختيار في السواك أن يكونبعود من أراك ويجوز بسائر العيدان وبكل ما ينظف كالخرقة الخشنة والأشنان وغير ذلكوفي حصوله بالأصبع الخشنة ثلاثة أوجه لأصحاب الشافعي رحمهم الله تعالى أشهرها أنهلا يحصل والثاني يحصل إن لم يجد غيرها ولا يحصل إن وجد ويستاك عرضا مبتدئا بالجانبالأيمن من فمه وينوي به الإتيان بالسنة قال بعض العلماء يقول ثم الاستياك اللهمبارك لي فيه يا أرحم الراحمين قال الماوردي من أصحاب الشافعي ويستحب أن يستاك فيظاهر الأسنان وباطنها ويمر السواك على أطراف أسنانه وكراسي أضراسه وسقف حلقه إمرارارفيقا قالوا وينبغي أن يستاك بعود متوسط لا شديد اليبوسة ولا شديد الرطوبة قال فإناشتد يبسه لينه بالماء ولا بأس باستعمال سواك غيره بإذنه وأما إذا كان فمه نجسا بدمأو غيره فإنه يكره له قراءة القرآن قبل غسله وهل يحرم قال الروياني من أصحابالشافعي عن والده يحتمل وجهين والأصح لا يحرم
فصل
يستحب أن يقرأ وهو على طهارة فإنقرأ محدثا جاز بإجماع المسلمين والأحاديث فيه كثيرة معروفة قال إمام الحرمين ولايقال ارتكب مكروها بل هو تارك للأفضل فإن لم يجد الماء تيمم والمستحاضة في الزمنالمحكوم بأنه طهر حكمها حكم المحدث وأما الجنب والحائض فإنه يحرم عليهما قراءةالقرآن سواء كان آية أو أقل منها ويجوز لهما إجراء القرآن على قلبهما تلفظ به ويجوزلهما النظر في المصحف وإمراره على القلب وأجمع المسلمون على جواز التسبيح والتهليلوالتحميد والتكبير والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من الأذكار للجنبوالحائض قال أصحابنا وكذا إن قالا لإنسان خذ الكتاب بقوة وقصدا القرآن فهو جائزوكذا ما أشبهه ويجوز لهما أن يقولا ثم المصيبة إنا لله وإنا إليه راجعون إذا لميقصدا القرآن قال أصحابنا الخراسانيون ويجوز أن يقولا ثم ركوب الدابة سبحان الذيسخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وعند الدعاء ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرةحسنة وقنا عذاب النار إذا لم يقصدا القرآن قال إمام الحرمين فإذا قال الجنب بسمالله والحمد لله فإن قصد القرآن عصى وإن قصد الذكر أو لم يقصد شيئا لم ليث ويجوزلهما قراءة ما نسخت تلاوته كالشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة
فصل
إذا لميجد الجنب أو الحائض ماء تيمم ويباح له القراءة والصلاة وغيرهما فإن أحدث حرمت عليهالصلاة ولم تحرم القراءة والجلوس في المسجد وغيرهما مما لا يحرم على المحدث كما لواغتسل ثم أحدث وهذا مما يسأل عنه ويستغرب فيقال جنب يمنع من الصلاة ولا يمنع منقراءة القرآن والجلوس في المسجد ضرورة كيف صورته فهذا صورته ثم الأقرب لا فرق مماذكرناه بين تيمم الجنب في الحضر والسفر وذكر بعض أصحاب الشافعي أنه إذا تيمم فيالحضر استباح الصلاة ولا يقرأ بعدها ولا يجلس في المسجد والصحيح جواز ذلك كماقدمناه ولو يتمم ثم صلى وقرأ ثم رأى ماء يلزمه استعماله فإنه يحرم عليه ما يحرم علىالجنب حتى يغتسل ولو تيمم وصلى وقرأ ثم أراد التيمم لحدث أو لفريضة أخرى أو لغيرذلك فإنه لا يحرم عليه القراءة على المذهب الصحيح المختار وفيه وجه لبعض أصحابالشافعي أنه لا يجوز والمعروف الأول أما إذا لم يجد الجنب ماء ولا ترابا فإنه لايصلي لحرمة الوقت على حسب حاله ويحرم عليه القراءة خارج الصلاة ويحرم عليه أن يقرأفي الصلاة ما زاد على فاتحة الكتاب وهل يحرم عليه قراءة الفاتحة فيه وجهان الصحيحالمختار أنه لا يحرم بل يجب فإن الصلاة لا تصح إلا بها وكلما جازت الصلاة لضرورة معالجنابة يجوز القراءة والثاني لا يجوز بل يأتي بالأذكار التي يأتي بها العاجز الذيلا يحفظ شيئا من القرآن لأن هذا عاجز شرعا فصار كالعاجز حسا والصواب الأول وهذهالفروع التي ذكرناها يحتاج إليها فلهذا أشرت إليها بأوجز العبارات وإلا فلها أدلةوتتمات كثيرة معروفة في كتب الفقه والله أعلم
فصل
ويستحب أن تكون القراءة فيمكان نظيف مختار ولهذا استحب جماعة من العلماء القراءة في المسجد لكونه جامعاللنظافة وشرف البقعة ومحصلا لفضيلة أخرى وهي الاعتكاف فإنه ينبغي لكل جالس فيالمسجد الاعتكاف سواء أكثر في جلوسه أو أقل بل ينبغي أول دخوله المسجد أن ينويالاعتكاف وهذا الأدب ينبغي أن يعتني به ويشاع ذكره ويعرفه الصغار والعوام فإنه ممايغفل عنه وأما القراءة في الحمام فقد اختلف السلف في كراهيتها فقال أصحابنا لا يكرهونقله الإمام المجمع على جلالته أبو بكر بن المنذر في الأشراف عن إبراهيم النخعيومالك وهو قول عطاء وذهب إلى كراهته جماعات منهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه رواهعنه ابن أبي داود وحكى ابن المنذر عن جماعة من التابعين منهم أبو وائل شقيق بن سلمةوالشعبي والحسن البصري ومكحول وقبيصة بن ذؤيب ورويناه أيضا عن إبراهيم النخعي وحكاهأصحابنا عن أبي حنيفة رضي الله عنهم أجمعين قال الشعبي تكره القراءة في ثلاثة مواضعفي الحمامات والحشوش وبيوت الرحى وهي تدور وعن أبي ميسرة قال لا يذكر الله إلا فيمكان طيب وأما القراءة في الطريق فالمختار أنها مكروهة إذا لم يلته صاحبها فإنالتهى عنها كرهت كما كره النبي صلى الله عليه وسلم القراءة للناعس مخافة من الخلطوروى أبو داود عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه كان يقرأ في الطريق وروى عمر بنعبدالعزيز رحمه الله أنه أذن فيها قال ابن أبي داود حدثني أبو الربيع قال أخبرناابن وهب قال سألت مالكا عن الرجل يصلي من آخر الليل فيخرج إلى المسجد وقد بقي منالسورة التي كان يقرأ فيها شيء قال ما أعلم القراءة تكون في الطريق وكره ذلك وهذاإسناد صحيح عن مالك رحمه الله
فصل
يستحب للقارئ الصلاة أن يستقل القبلة فقد جاء فيالحديث خير المجالس ما استقبل به القبلة ويجلس متخشعا بسكينة ووقار مطرقا رأسهويكون جلوسه وحده في تحسين أدبه وخضوعه كجلوسه بين يدي معلمه فهذا هو الأكمل ولوقرأ قائما أو مضطجعا أو في فراشه أو ذلك من الأحوال جاز وله أجر ولكن دون الأول قالالله عز وجل إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألبابالذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض وثبتفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكئ فيحجري وأنا حائض ويقرأ القرآن رواه البخاري ومسلم وفي رواية يقرأ القرآن ورأسه فيحجري وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال إني أقرأ القرآن في صلاتي وأقرأ علىفراشي وعن عائشة رضي الله عنها قالت إني لا أقرأ حزبي وأنا مضطجعة على السرير
فصل
فإن أراد الشروع في القراءة استعاذ فقال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم هكذا قالالجمهور من العلماء وقال بعض العلماء يتعوذ بعد القراءة لقوله تعالى فإذا قرأتفاستعذ بالله من الشيطان الرجيم وتقدير الآية ثم الجمهور إذا أردت القراءة فاستعذثم صيغة التعوذ كما ذكرناه وكان جماعة من السلف يقولون أعوذ بالله السميع العليم منالشيطان الرجيم ولا بأس بهذا ولكن الاختيار هو الأول ثم إن التعوذ مستحب وليس بواجبوهو مستحب لكل قارئ سواء كان في الصلاة أو في غيرها ويستحب في الصلاة في كل ركعةعلى الصحيح من الوجهين ثم أصحابنا وعلى الوجه الثاني إنما يستحب في الركعة الأولىفإن تركه في الأولى أتى به في الثانية ويستحب التعوذ في التكبيرة الأولى في صلاةالجنازة على أصح الوجهين قال وينبغي أن يحافظ على قراءة بسم الله الرحمن الرحيم فيأول كل سورة سوى براءة فإن أكثر العلماء قالوا إنها آية حيث تكتب في المصحف وقدكتبت في أوائل السور سوى براءة فإذا قرأها كان متيقنا قراءة الختمة أو السورة فإذاأخل بالبسملة كان تاركا لبعض القرآن ثم الأكثرين فإذا كانت القراءة في وظيفة عليهاجعل كالأسباع والأجراء التي عليها أوقاف وأرزاق كان الاعتناء بالبسملة أكثر لتيقنقراءة الختمة فإنه إذا تركها لم يستحق شيئا من الوقف ثم من يقول البسملة آية من أولالسورة وهذه دقيقة نفيسة يتأكد الاعتناء بها وإشاعتها
فصل
فإذا شرع في القراءةفليكن شأنه الخشوع والتدبر ثم القراءة والدلائل عليه أكثر من أن تحصر وأشهر وأظهرمن أن تذكر فهو المقصود المطلوب وبه تنشرح الصدور وتستنير القلوب قال الله عز وجلأفلا يتدبرون القرآن وقال تعالى كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته والأحاديثفيه كثيرة وأقاويل السلف فيه مشهورة وقد بات جماعة من السلف يتلون آية واحدةيتدبرونها ويرددونها وقد صعق جماعة من السلف ثم القراءة ومات
جماعات حال القراءةوروينا عن بهز بن حكيم أن بينها بن أوفى التابعي الجليل رضي الله عنه أمهم في صلاةالفجر فقرأ حتى بلغ فإذا نقر في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير خر ميتا قال بهز وكنتفيمن حمله وكان أحمد بن أبي الحواري رضي الله عنه وهو ريحانة الشام كما قال أبوالقاسم الجنيد رحمه الله إذا قرئ عنده القرآن يصيح ويصعق قال ابن أبي داود وكانالقاسم بن عثمان الجوني رحمه الله ينكر على ابن الحواري وكان الجوني فاضلا من محدثيأهل دمشق تقدم في الفضل على ابن أبي الحواري قال وكذلك أنكره أبو الجوزاء وقيس بنجبير وغيرهم قلت والصواب عدم الإنكار إلا على من اعترف أنه يفعله تصنعا والله أعلموقال السيد الجليل ذو المواهب والمعارف إبراهيم الخواص رضي الله تعالى عنه دواءالقلب خمسة أشياء قراءة القرآن بالتدبر وخلاء البطن وقيام الليل والتضرع ثم السحرومجالسة الصالحين
فصل في استحباب ترديد الآية للتدبر
وقد قدمنا في الفصل قبله الحثعلى التدبر وبيان موقعه وتأثر السلف وروينا عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال قامالنبي صلى الله عليه وسلم بآية يرددها حتى أصبح والآية إن تعذبهم فإنهم عبادك الآيةرواه النسائي وابن ماجه وعن تميم الداري رضي الله تعالى عنه أنه كرر هذه الآية حتىأصبح أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات الآيةوعن عبادة بن حمزة قال دخلت على أسماء رضي الله عنها وهي تقرأ فمن الله عليناووقانا
عذاب السموم فوقفت عندها فجعلت تعيدها وتدعو فطال علي ذلك فذهبت إلىالسوق فقضيت حاجتي ثم رجعت وهي تعيدها وتدعو ورويت هذه القصة عن عائشة رضي اللهتعالى عنها وردد ابن مسعود رضي الله عنه رب زدني علما وردد سعيد بن جبير واتقوايوما ترجعون فيه إلى الله وررد أيضا فسوف يعلمون إذ الأغلال في أعناقهم الآية ورردأيضا ما غرك بربك الكريم وكان الضحاك إذا أصحهما قوله تعالى لهم من فوقهم ظلل منالنار ومن تحتهم ظلل رددها إلى السحر
فصل في البكاء ثم قراءة القرآن
قد تقدم فيالفصلين المتقدمين بيان ما يحمل على البكاء في حال القراءة وهو صفة العارفين وشعارعباد الله الصالحين قال الله تعالى ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا وقد وردتفيه أحاديث كثيرة وآثار السلف فمن ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم اقرؤوا القرآنوابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه صلى بالجماعةالصبح فقرأ سورة يوسف فبكى حتى سالت دموعه على ترقوته وفي رواية أنه كان في صلاةالعشاء فتدل على تكريره منه وفي رواية أنه بكى حتى سمعوا بكاءه من وراء الصفوف وعنأبي رجاء قال رأيت ابن عباس وتحت عينيه مثل الشراك البالي من الدموع وعن أبي صالحقال قدم ناس من أهل اليمن على ابي بكر الصديق رضي الله عنه فجعلوا يقرؤون القرآنويبكون فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه هكذا كنا وعن هشام قال ربما سمعت بكاءمحمد بن سيرين في الليل وهو في الصلاة والآثار في هذا كثيرة لا يمكن حصرها وفيماأشرنا إليه ونبهنا عليه كفاية والله أعلم قال الإمام أبو حامد الغزالي البكاء مستحبمع القراءة وعندها وطريقه في تحصيله أن يحضر قلبه الحزن بأن يتأمل ما فيه منالتهديد والوعيد الشديد والمواثيق والعهود ثم يتأمل تقصيره في ذلك فإن لم يحضره حزنوبكاء كما يحضر الخواص فليبك على فقد ذلك فإنه من أعظم المصائب
فصلوينبغي أن يرتلقراءته
وقد اتفق العلماء رضي الله عنهم على استحباب الترتيل قال الله تعالى ورتلالقرآن ترتيلا وثبت عن أم سلمة رضي الله عنها أنها نعتت قراءة رسول الله صلى اللهعليه وسلم قراءة مفسرة حرفا حرفا رواه أبو داود والنسائي والترمذي قال الترمذي حديثحسن صحيح وعن معاوية بن قرة رضي الله عنه عن عبدالله بن مغفل رضي الله عنه قال رأيترسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة على ناقته يقرأ سورة الفتح يرجع فيقراءته رواه البخاري ومسلم وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال لأن أقرأ سورة أرتلهاأحب إلي من أن أقرأ القرآن كله وعن مجاهد أنه سئل عن رجلين قرأ أحدهما البقرة وآلعمران والآخر البقرة وحدها وزمنهما وركوعهما وسجودهما وجلوسهما واحد سواء فقال الذيقرأ البقرة وحدها أفضل وقد نهي عن الإفراط في الإسراع ويسمى الهذرمة فثبت عنعبدالله بن مسعود أن رجلا قال له إني أقرأ المفصل في ركعة واحدة فقال عبدالله بنمسعود هكذا هكذا الشعر إن أقواما يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم ولكن
إذا وقعالقلب فرسخ فيه نفع رواه البخاري ومسلم وهذا لفظ مسلم في إحدى رواياته قال العلماءوالترتيل مستحب للتدبر ولغيره قالوا يستحب الترتيل للعجمي الذي لا يفهم معناه لأنذلك أقرب إلى التوقير والاحترام وأشد تأثيرا في القلب
فصل ويستحب إذا مر بآية رحمةأن يسأل الله تعالى من فضله
وإذا مر بآية عذاب أن يستعيذ بالله من الشر ومن العذابأو يقول اللهم إني أسألك العافية أو أسألك المعافاة من كل مكروه أو نحو ذلك وإذا مربآية تنزيه لله تعالى نزه فقال سبحانه وتعالى أو تبارك وتعالى أو جلت عظمة ربنا فقدصح عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذاتليلة فافتتح البقرة ثم المائة ثم مضى فقلت يصلي بها في ركعة فمضى بها ثم افتتحالنساء فقرأها ثم افتتح آل عمران فقرأها يقرأ ترسلا إذا مر بآية فيها تسبيح سبحوإذا مر بسؤال سأل وإذا مر بتعوذ تعوذ رواه مسلم في صحيحه وكانت سورة النساء في ذلكالوقت مقدمة على آل عمران قال أصحابنا رحمهم الله تعالى ويستحب هذا السؤالوالاستعاذة والتسبيح لكل قارئ سواء كان في الصلاة أو خارجا منها قالوا ويستحب ذلكفي صلاة الإمام والمنفرد والمأموم لأنه دعاء فاستووا فيه كالتأمين عقب الفاتحة وهذاالذي ذكرناه من استحباب السؤال والاستعاذة هو مذهب الشافعي رضي الله عنه وجماهيرالعلماء رحمهم الله قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى ولا يستحب ذلك بل يكره في الصلاةوالصواب قول الجماهير لما قدمناه
فصل
ومما يعتنى به ويتأكد الأمر به احترامالقرآن من أمور قد يتساهل فيها بعض الغافلين القارئين مجتمعين فمن ذلك اجتناب الضحكواللغط والحديث في خلال القراءة إلا كلاما يضطر إليه وليمتثل قول الله تعالى وإذاقرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون وليقتد بما رواه ابن أبي داود عن ابنعمر رضي الله عنهما أنه كان إذا قرأ القرآن لا يتكلم حتى يخلو منه ذكره في كتابالتفسير في قوله تعالى نساؤكم حرث لكم ومن ذلك العبث باليد وغيرها فإنه يناجي ربهسبحانه وتعالى فلا يعبث بين يديه ومن ذلك النظر إلى ما يلهي ويبدد الذهن وأقبح منهذا كله النظر إلى ما لا يجوز النظر إليه كالأمرد وغيره فإن النظر إلى الأمرد الحسنحاجة حرام سواء كان بشهوة أو بغيرها سواء أمن الفتنة أو لم يأمنها هذا هو المذهبالصحيح المختار ثم العلماء وقد نص الإمام الشافعي ومن لا يحصى من العلماء ودليلهقوله تعالى قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ولأنه في معنى المرأة بل ربما كان بعضهمأو كثير منهم أحسن من كثير من النساء ويتمكن الريبة فيه ويتسهل من طرق الشر في حقهما لا يتسهل في حق المرأة أولى وأقاويل السلف في التنفير منهم أكثر من أن تحصى وقدسموهم الأنتان لكونهم مستقذرين شرعا وأما النظر إليه في حال البيع والشراء والأخذوالإعطاء والتطبب والتعليم ونحوها من مواضع الحاجة فجائز للضرورة لكن يقتصر الناظرعلى قدر الحاجة ولا يديم النظر ضرورة وكذا المعلم إنما يباح له النظر الذي يحتاجإليه ويحرم عليهم كلهم في كل الأحوال النظرة بشهوة ولا يختص هذا بالأمرد بل يحرمعلى كل مكلف النظر بشهوة إلى كل أحد رجلا كان أو امرأة محرما كانت المرأة أو غيرهاإلا الزوجة أو المملوكة التي يملك الاستمتاع بها حتى قال أصحابنا يحرم النظر بشهوةإلى محارمه كأخته وأمه والله أعلم وعلى الحاضرين مجلس القراءة إذا رأوا شيئا من هذهالمنكرات المذكورة أو غيرها أن ينهوا عنه حسب الإمكان باليد لمن قدر وباللسان لمنعجز عن اليد وقدر على اللسان وإلا فلينكر بقلبه والله أعلم
فصل لا تجوز قراءةالقرآن بالعجمية
سواء أحسن العربية أو لم يحسنها سواء كان في الصلاة أم في غيرهافإن قرأ بها في الصلاة لم تصح صلاته هذا مذهبنا ومذهب مالك وأحمد وداود وأبو بكر بنالمنذر وقال أبو حنيفة يجوز ذلك وتصح به الصلاة وقال أبو يوسف ومحمد يجوز ذلك لمنلم يحسن العربية ولا يجوز لمن يحسنها
فصل وتجوز قراءة القرآن بالقراءات السبع
المجمع عليها ولا يجوز بغير السبع ولا بالروايات الشاذة المنقولة عن القراء السبعةوسيأتي في الباب السابع إن شاء الله تعالى اتفاق الفقهاء على استتابة من أقرأبالشواذ أو قرأ بها وقال أصحابنا وغيرهم لو قرأ بالشواذ في الصلاة بطلت صلاته إنكان عالما وإن كان جاهلا لم تبطل ولم تحسب له تلك القراءة وقد نقل الإمام أبو عمربن عبدالبر الحافظ إجماع المسلمين على أنه لا تجوز القراءة بالشاذ وأنه لا يصلى خلفمن يقرأ بها قال العلماء من قرأ الشاذ إن كان جاهلا به أو بتحريمه عرف بذلك فإن عادإليه أو كان عالما به عزر تعزيرا بليغا إلى أن ينتهي عن ذلك ويجب على كل متمكن منالإنكار عليه ومنعه الإنكار والمنع
فصل
إذا ابتدأ بقراءة أحد القراء فينبغي أن يستمر على القراءة بها ما دامالكلام مرتبطا فإذا انقضى ارتباطه فله أن يقرأ بقراءة أحد من السبعة والأولى دوامهعلى الأولى في هذا المجلس
فصل
قال العلماء الاختيار أن يقرأ على ترتيب المصحف فيقرأالفاتحة ثم البقرة ثم آل عمران ثم ما بعدها على الترتيب وسواء قرأ في الصلاة أو فيغيرها حتى قال بعض أصحابنا إذا قرأ في الركعة الأولى سورة قل أعوذ برب الناس يقرأفي الثانية بعد الفاتحة من البقرة قال بعض أصحابنا ويستحب إذا قرأ سورة أن يقرأبعدها التي تليها ودليل هذا أن ترتيب المصحف إنما جعل هكذا لحكمة فينبغي أن يحافظعليها إلا فيما ورد المشرع باستثنائه كصلاة الصبح يوم الجمعة يقرأ في الأولى سورةالسجدة وفي الثانية هل أتى على الإنسان وصلاة العيد في الأولى قاف وفي الثانيةاقتربت الساعة وركعتين سنة الفجر في الأولى قل يا أيها الكافرون وفي الثانية قل هوالله أحد وركعات الوتر في الأولى سبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية قل يا أيهاالكافرون وفي الثالثة قل هو الله أحد والمعوذتين ولو خالف الماوردي فقرأ سورة لاتلي الأولى أو خالف الترتيب فقرأ سورة ثم قرأ سورة قبلها جاز فقد جاء بذلك آثاركثيرة وقد قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الركعة الأولى من الصبح بالكهف وفيالثانية بيوسف وقد كره جماعة مخالفة ترتيب المصحف وروى ابن أبي داود عن الحسن أنهكان يكره أن يقرأ القرآن إلا على تأليفه في المصحف وبإسناده الصحيح عن عبدالله بنمسعود رضي الله عنه أنه قيل له إن فلانا يقرأ القرآن منكوسا فقال ذلك منكوس القلبوأما قراءة السور من آخرها إلى أولها فممنوع منعا متأكدا فإنه يذهب بعض ضروبالإعجاز ويزيل حكمة ترتيب الآيات وقد روى ابن أبي داود عن إبراهيم النخعي الإمامالتابعي الجليل والإمام مالك بن أنس أنهما كرها ذلك وأن مالكا كان يعيبه ويقول هذاعظيم وأما من آخر المصحف إلى أوله فحسن ليس هذا من هذا الباب فإن ذلك قراءة متفاضلةفي أيام متعددة مع ما فيه من تسهيل الحفظ عليهم والله أعلم
فصل
قراءة القرآن منالمصحف أفضل من القراءة عن ظهر القلب لأن النظر في المصحف عبادة مطلوبة فتجتمعالقراءة والنظر هكذا قاله القاضي حسين من أصحابنا وأبو حامد الغزالي وجماعات منالسلف ونقل الغزالي في الإحياء أن كثيرين من الصحابة رضي الله عنهم كانوا يقرؤون منالمصحف ويكرهون أن يخرج يوم ولم ينظروا في المصحف وروى ابن أبي داود القراءة فيالمصحف عن كثيرين من السلف ولم أر فيه خلافا ولو قيل إنه يختلف باختلاف الأشخاصفيختار القراءة في المصحف لمن استوى خشوعه وتدبره في حالتي القراءة في المصحف وعنظهر القلب ويختار القراءة عن ظهر القلب لمن لم يكمل بذلك خشوعه ويزيد على خشوعهوتدبره لو قرأ من المصحف لكان هذا قولا حسنا والظاهر أن كلام السلف وفعلهم محمولعلى هذا التفصيل
فصل
في استحباب قراءة الجماعة مجتمعين وفضل القارئين من الجماعة والسامعينوبيان فضيلة من جمعهم عليها وحرضهم وندبهم إليها اعلم أن قراءة الجماعة مجتمعينمستحبة بالدلائل الظاهرة وأفعال السلف والخلف المتظاهرة فقد صح عن النبي صلى اللهعليه وسلم من رواية أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما أنه قال ما من قوميذكرون الله إلا حفت بهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم اللهفيمن عنده قال الترمذي حديث حسن صحيح وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى اللهعليه وسلم قال ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تعالى يتلون كتاب الله ويتدارسونهبينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكره الله فيمن عندهرواه مسلم وأبو داود بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم وعن معاوية رضي الله عنه أنالنبي صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه فقال ما يجلسكم قالوا جلسنا نذكرالله تعالى ونحمده لما هدانا للإسلام ومن علينا به فقال أتاني جبريل عليه السلامفأخبرني أن الله تعالى يباهي بكم الملائكة رواه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حديثحسن صحيح والأحاديث في هذا كثيرة وروى الدارمي بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنهماقال من استمع إلى آية من كتاب الله كانت له نورا وروى ابن أبي داود أن أبا الدرداءرضي الله عنه كان يدرس القرآن معه نفر يقرؤون جميعا وروى ابن أبي داود فعل الدراسةمجتمعين عن جماعات من أفاضل السلف والخلف وقضاة المتقدمين وعن حسان بن عطيةوالأوزاعي أنهما قالا أول من أحدث الدراسة في مسجد دمشق هشام بن إسماعيل في قدمتهعلى عبدالملك وأما ما روى ابن أبي داود عن الضحاك بن عبدالرحمن بن عرزب أنه أنكرهذه الدراسة وقال ما رأيت ولا سمعت وقد أدركت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلميعني ما رأيت أحدا فعلها وعن وهب قال قلت لمالك أرأيت القوم يجتمعون فيقرؤون جميعاسورة واحدة حتى يختموها فأنكر ذلك وعابه وقال ليس هكذا تصنع الناس إنما كان يقرأالرجل على الآخر يعرضه فهذا الإنكار منهما مخالف لما عليه السلف والخلف ولما يقتضيهالدليل فهو متروك والاعتماد على ما تقدم من استحبابها لكن القراءة في حال الاجتماعلها شروط قدمناها ينبغي أن يعتنى بها والله أعلم وأما فضيلة من يجمعهم على القراءةففيها نصوص كثيرة كقوله صلى الله عليه وسلم الدال على الخير كفاعله وقوله صلى اللهعليه وسلم لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم والأحاديث فيه كثيرةمشهورة وقد قال الله تعالى وتعاونوا على البر والتقوى ولا شك في عظم أجر الساعي فيذلك
فصل
في الإدارة بالقرآن وهو أن يجتمع جماعة يقرأ بعضهم عشرا أو جزءا ذلك ثميسكت ويقرأ الأخر من حيث انتهى الأول ثم يقرأ الآخر وهذا جائز حسن وقد سئل مالكرحمه الله تعالى عنه فقال لا بأس به
فصل
في رفع الصوت بالقراءة هذا فصل مهم ينبغيأن يعتنى به اعلم أنه جاء أحاديث كثيرة في
الصحيح وغيره دالة على استحباب رفعالصوت بالقراءة وجاءت آثار دالة على استحباب الإخفاء وخفض الصوت وسنذكر منها طرفايسيرا إشارة إلى اصلها إن شاء الله تعالى قال الإمام أبو حامد الغزالي وغيره منالعلماء وطريق الجمع بين الأحاديث والآثار المختلفة في هذا أن الإسرار أبعد منالرياء فهو أفضل في حق من يخاف ذلك فإن لم يخف الرياء فالجهر ورفع الصوت أفضل لأنالعمل فيه أكثر ولأن فائدته تتعدى إلى غيره والمتعدي أفضل من اللازم ولأنه يوقظ قلبالقارئ ويجمع همه إلى الفكر فيه ويصرف سمعه إليه ويطرد النوم ويزيد في النشاط ويوقظغيره من نائم وغافل وينشطه قالوا فمهما حضره شيء من هذه النيات فالجهر أفضل فإناجتمعت هذه النيات تضاعف الأجر قال الغزالي ولهذا قلنا القراءة في المصحف أفضل فهذاحكم المسألة وأما الآثار المنقولة فكثيرة وأنا أشير إلى أطراف من بعضها ثبت فيالصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ماأذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به رواه البخاري ومسلمومعنى أذن استمع وهو إشارة إلى الرضا والقبول وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنرسول الله صلى الله عليه وسلم قال لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود رواه البخاريومسلم وفي رواية لمسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له لقد رأيتني وأناأستمع لقراءتك البارحة ورواه مسلم من رواية بريد بن الخصيب وعن فضالة بن عبيد رضيالله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لله أشد أذنا إلى الرجل حسن الصوتبالقرآن من صاحب القينة إلى قينته رواه ابن ماجه وعن أبي موسى أيضا قال قال رسولالله صلى الله عليه وسلم إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالليل حين يدخلون وأعرفمازلهم من أصواتهم بالقرآن بالليل وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنهار رواهالبخاري ومسلم وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليهوسلم زينوا القرآن بأصواتكم رواه أبو داود والنسائي وغيرهما وروى ابن أبي داود عنعلي رضي الله عنه أنه سمع ضجة ناس في المسجد يقرؤون القرآن فقال طوبى لهؤلاء كانواأحب الناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفي إثبات الجهر أحاديث كثيرة وأما الآثارعن الصحابة والتابعين من أقوالهم وأفعالهم فأكثر من أن تحصر وأشهر من أن تذكر وهذاكله فيمن لا يخاف رياء ولا إعجابا ولا نحوهما من القبائح ولا يؤذي جماعة يلبس عليهمصلاتهم ويخلطها عليهم وقد نقل عن جماعة السلف اختيار الإخفاء لخوفهم مما ذكرناه فعنالأعمش قال دخلت على إبراهيم وهو يقرأ بالمصحف فاستأذن عليه رجل فغطاه وقال لا يرىهذا أني أقرأ كل ساعة وعن أبي العالية قال كنت جالسا مع أصحاب رسول الله صلى اللهعليه وسلم ورضي الله عنهم فقال رجل منهم قرأت الليلة كذا فقالوا هذا حظك منه ويستدللهؤلاء بحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلميقول الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة رواه أبو داودوالترمذي والنسائي قال الترمذي حديث حسن قال ومعناه أن الذي يسر بقراءة القرآن أفضلمن الذي يجهر بها لأن صدقة السر أفضل ثم أهل العلم من صدقة العلانية قال وإنما معنىهذا الحديث ثم أهل العلم لكي يأمن الرجل من العجب لأن الذي يسر ومعناه لا يخاف عليهمن العجب كما يخاف عليه من علانيته قلت وكل هذا موافق لما تقدم تقريره في أول الفصلمن التفصيل وأنه إن خاف بسبب الجهر شيئا مما يكره لم يجهر وإن لم يخف استحب الجهرفإن كانت القراءة من جماعة مجتمعين تأكد استحباب الجهر لما قدمناه ولما يحصل فيه مننفع غيرهم والله أعلم
فصل في استحباب تحسين الصوت بالقراءة
أجمع العلماء رضي الله عنهم من السلف والخلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهممن علماء الأمصار أئمة المسلمين على استحباب تحسين الصوت بالقرآن وأقوالهم وأفعالهممشهورة نهاية الشهرة فنحن مستغنون عن نقل شيء من أفرادها ودلائل هذا من حديث رسولالله صلى الله عليه وسلم مستفيضة ثم الخاصة والعامة كحديث زينوا القرآن بأصواتكموحديث لقد أوتي هذا مزمارا وحديث ما أذن الله وحديث لله أشد أذنا وقد تقدمت كلها فيالفصل السابق وتقدم في فضل الترتيل حديث عبدالله بن مغفل في ترجيع النبي صلى اللهعليه وسلم القراءة وكحديث سعد بن أبي وقاص وحديث أمامة رضي الله عنهما أن النبي صلىالله عليه وسلم قال منلم يتغن بالقرآن فليس منا رواه أبو داود بإسنادين جيدين وفيإسناد سعد اختلاف لا يضر قال جمهور العلماء معنى لم يتغن لم يحسن صوته وحديث البراءرضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في العشاء بالتين والزيتونفما سمعت أحدا أحسن صوتا منه رواه البخاري ومسلم قال العلماء رحمهم الله فيستحبتحسين الصوت بالقراءة وترتيبها مالم يخرج عن حد القراءة بالتمطيط فإن أفرط حتى زادحرفا أو أخفاه فهو حرام وأما القراءة بالألحان فقد قال الشافعي رحمه الله في موضعأكرهها قال أصحابنا ليست على قولين بل فيه تفصيل إن أفرط في التمطيط فجاوز الحد فهوالذي كرهه وإن لم يجاوز فهو الذي لم يكرهه وقال أقضى القضاة الماوردي في كتابهالحاوي القراءة بالألحان الموضوعة إن أخرجت لفظ القرآن عن صيغته بإدخال حركات فيهأو إخراج حركات منه أو قصر ممدود أو مد مقصور أو تمطيط يخفي به بعض اللفظ ويتلبسالمعنى فهو حرام يفسق به القارئ ويأثم به المستمع لأنه عدل به عن نهجه القويم إلىالاعوجاج والله تعالى يقول قرآنا ذي عوج قال وإن لم يخرجه اللحن عن لفظه وقراءتهعلى ترتيله كان مباحا لأنه زاد على ألحانه في تحسينه هذا كلام أقضى القضاة وهذاالقسم الأول من القراءة بالألحان المحرمة مصيبة ابتلي بها بعض الجهلة الطغام الغشمةالذين يقرؤون على الجنائز وبعض المحافل وهذه ظاهرة ليث كل مستمع لها كما قاله أقضىالقضاة الماوردي ويأثم كل قادر على إزالتها أو على النهي عنها إذا لم يفعل ذلك وقدبذلت فيها بعض قدرتي وأرجو من فضل الله الكريم أن يوفق لإزالتها من هو أهل لذلك وأنيجعله في عافية قال الشافعي في مختصر المزني ويحسن صوته بأي وجه كان قال وأحب مايقرأ حدرا وتحزينا قال أهل اللغة يقال حدرت بالقراءة إذا أدرجتها ولم تمططها ويقالفلان يقرأ بالتحزين إذا رقق صوته وقد روى ابن أبي داود بإسناده عن أبي هريرة رضيالله عنه أنه قرأ إذا الشمس كورت يحزنها شبه الرثاء وفي سنن أبي داود قيل لابن أبيمليكة أرأيت إذا لم يكن حسن الصوت فقال يحسنه ما استطاع
فصل في استحباب طلب القراءةالطيبة
من حسن الصوت اعلم أن جماعات من السلف كانوا يطلبون من أصحاب القراءةبالأصوات الحسنة أن يقرؤوا وهم يستمعون وهذا متفق على استحبابه وهو عادة الأخياروالمتعبدين وعباد الله الصالحين وهو سنة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدصح عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأعلي القرآن فقلت يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل قال إني أحب أن أسمعه من غيريفقرأت عليه سورة النساء حتى إذا جئت إلى هذه الآية فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيدوجئنا بك على هؤلاء كلاهما قال حسبك الآن فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان رواهالبخاري ومسلم وروى الدارمي وغيره بأسانيدهم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كانيقول لأبي موسى الأشعري ذكرنا ربنا فيقرأ عنده القرآن والآثار في هذا كثيرة معروفةوقد مات جماعات من الصالحين بسبب قراءة من سألوه القراءة والله أعلم وقد استحبالعلماء أن يستفتح مجلس حديث النبي صلى الله عليه وسلم ويختم بقراءة قارئ حسن الصوتما تيسر من القرآن ثم إنه ينبغي للقارئ في هذه المواطن أن يقرأ ما يليق بالمجلسويناسبه وأن تكون قراءته في آيات الرجاء والخوف والمواعظ والتزهيد في الدنياوالترغيب في الآخرة والتأهيب لها وقصر الأمل ومكارم الأخلاق
فصل
ينبغي للقارئ إذا ابتدأ من وسط السورة أو وقف آخرها أن يبتدئ من أول الكلامالمرتبط بعضه ببعض وأن يقف على الكلام المرتبط ولا يتقيد بالأعشار والأجزاء فإنهاقد تكون في وسط الكلام المرتبط كالجزء الذي في قوله تعالى وما نفسي وفي قوله تعالىفما كان جواب قومه وقوله تعالى ومن يقنت منكن لله ورسوله وفي قوله تعالى وما أنزلناعلى قومه من بعده من جند من السماء وفي قوله تعالى إليه يرد علم الساعة وفي قولهتعالى وبدا لهم سيئات وفي قوله قال فما خطبكم أيها المرسلون وكذلك الأحزاب كقولهتعالى واذكروا الله في أيام معدودات وقوله تعالى قل هل أنبئكم بخير من ذلكم فكل هذاوشبيهه ينبغي أن يبتدأ به ولا يوقف عليه فإنه متعلق بما قبله ولا يغترن بكثرةالغافلين له من القراء الذين لا يراعون هذه الآداب ولا يفكرون في هذه المعانيوامتثل ما روى الحاكم أبو عبدالله بإسناده عن السيد الجليل الفضيل بن عياض رضي اللهعنه قال لا تستوحش طرق الهدى لقلة أهلها بكثرة الهالكين ولا يضرك قلة السالكينولهذا المعنى قالت العلماء قراءة سورة قصيرة بكاملها أفضل من قراءة بعض سورة طويلةبقدر القصيرة فإنه قد يخفى الارتباط على بعض الناس في بعض الأحوال وقد روى ابن أبيداود بإسناده عن عبدالله بن أبي الهذيل التابعي المعروف رضي الله عنه قال كانوايكرهون أن يقرؤوا بعض الآية ويتركوا بعضها
فصل في أحوال تكره فيها القراءة
اعلم أن قراءة القرآن على الإطلاق إلا في أحوال مخصوصة جاء الشرع بالنهي عنالقراءة فيها وأنا أذكر الآن ما حضرني منها مختصرة بحذف الأدلة فإنها مشهورة فتكرهالقراءة في حالة الركوع والسجود والتشهد وغيرها من أحوال الصلاة سوى القيام وتكرهالقراءة بما زاد على الفاتحة للمأموم في الصلاة الجهرية إذا سمع قراءة الإمام وتكرهحالة القعود على الخلاء وفي حالة النعاس وكذا إذا استعجم عليه القرآن وكذا في حالةالخطبة لمن يسمعها ولا تكره لمن لم يسمعها بل تستحب هذا هو المختار الصحيح وجاء عنطاوس كراهيتها وعن إبراهيم عدم الكراهة فيجوز أن يجمع بين كلاميهما بما قلنا كماذكره أصحابنا ولا تكره القراءة في الطواف هذا مذهبنا وبه قال أكثر العلماء وحكاهابن المنذر عن عطاء ومجاهد وابن المبارك وأبي ثور وأصحاب الرأي وحكي عن الحسنالبصري وعروة بن الزبير ومالك كراهتها في الطواف والصحيح الأول وقد تقدم بيانالاختلاف في القراءة في الحمام وفي الطريق وفيمن فمه نجس
فصل من البدع المنكرة في القراءة
ما يفعله جهلة المصلين بالناس في التراويح من قراءة سورة الأنعام في الركعةالأخيرة في الليلة السابعة معتقدين أنها مستحبة فيجمعون أمورا منكرة منها اعتقادهامستحبة ومنها إيهام العوام ذلك ومنها تطويل الركعة الثانية على الأولى وإنما السنةتطويل الأولى ومنها التطويل على المأمومين ومنها هذرمة
القراءة ومن البدعالمشابهة لهذا قراءة بعض جهلتهم في الصبح يوم الجمعة سجدة ألم تنزيل قاصدا ذلكوإنما السنة قراءة ألم تنزيل في الركعة الأولى وهل أتى في الثانية
فصل في مسائل غريبة
تدعو الحاجة إليها منها أنه إذا كان يقرأ فعرض له ريح فينبغي أن يمسك عنالقراءة حتى يتكامل خروجها ثم يعود إلى القراءة كذا رواه ابن أبي داود وغيره عنعطاء وهو وضوء حسن ومنها أنه إذا تثاءب أمسك عن القراءة حتى ينقضي التثاؤب ثم يقرأقال مجاهد وهو حسن ويدل عليه ما ثبت عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسولالله صلى الله عليه وسلم إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فمه فإن الشيطان يدخلرواه مسلم ومنها أنه إذا قرأ قول الله عز وجل وقال اليهود عزير ابن الله وقالتالنصاري المسيح ابن الله وقالت اليهود يد الله مغلولة وقالوا اتخذ الرحمن ولدا ونحوذلك من الآيات ينبغي أن يخفض بها صوته كذا كان إبراهيم النخعي رضي الله عنه يفعلومنها ما رواه ابن أبي داود بإسناد ضعيف عن الشعبي أنه قيل له إذا قرأ الإنسان إنالله وملائكته يصلون على النبي يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم قال نعم ومنهاأنه يستحب له أن يقول ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلمأنه قال من قرأ والتين والزيتون فقال أليس الله بأحكم الحاكمين فليقل بلى وأنا علىذلك من الشاهدين رواه أبو داود والترمذي بإسناد ضعيف عن رجل عن أعرابي عن أبي هريرةرضي الله عنه قال الترمذي هذا الحديث إنما يروى بهذا الإسناد عن الأعرابي عن أبيهريرة قال ولا يسمى وروى ابن أبي داود والترمذي ومن قرأ آخر لا أقسم بيوم القيامةأليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى فليقل بلى ومن قرأ فبأي آلاء ربكما تكذبان أوفبأي حديث بعده يؤمنون فليقل آمنت بالله وعن ابن عباس رضي الله عنهما وابن الزبيروأبي موسى الأشعري رضي الله عنهم أنهم كانوا إذا قرأ أحدهم سبح اسم ربك الأعلى قالسبحان ربي الأعلى وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يقول فيها سبحان ربيالأعلى ثلاث مرات وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه صلى فقرأ آخر سورة بنيإسرائيل ثم قال الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا وقد نص بعض أصحابنا على أنه يستحب أنيقال في الصلاة ما قدمناه وفي حديث أبي هريرة في السور الثلاث وكذلك يستحب أن يقالباقي ما ذكرناه وما كان في معناه والله أعلم
فصل في قراءة يراد بها الكلام
ذكر ابن أبي داود في هذا اختلافا وروي عن إبراهيم النخعي رضي الله عنه أنهكان يكره أن يقال القرآن بشيء يعرض من أمر الدنيا وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنهأنه قرأ في صلاة المغرب بمكة والتين والزيتون ورفع صوته وقال وهذا البلد الأمين وعنحكيم بضم الحاء بن سعد أن رجلا من المحكمية أتى عليا رضي الله عنه وهو في صلاةالصبح فقال لئن أشركت ليحبطن عملك فأجابه علي في الصلاة فاصبر إن وعد الله حق ولايستخفنك الذي لا يوقنون قال أصحابنا إذا استأذن إنسان على المصلي فقال المصليادخلوها بسلام آمنين فإن أراد التلاوة وأراد الإعلام لم تبطل صلاته وإن أرادالإعلام ولم يحضره نية بطلت صلاته
فصل
وإذا ورد على القارئ من فيه فضيلة من علم أو شرف أو سن مع صيانة أو له حرمةبولاية أو ولادة أو غيرها فلا بأس بالقيام له على سبيل الاحترام والإكرام لا للرياءوالإعظام بل ذلك مستحب وقد ثبت القيام للإكرام من فعل النبي صلى الله عليه وسلموفعل أصحابه رضي الله عنهم بحضرته وبأمره ومن فعل التابعين ومن بعدهم من العلماءالصالحين وقد جمعت جزءا في القيام وذكرت فيه الأحاديث والآثار الواردة باستحبابهوبالنهي عنه وبينت ضعف الضعيف منها وصحة الصحيح والجواب عما يتوهم منه النهي وليسفيه نهي وأوضحت ذلك كله بحمد الله تعالى فمن تشكك في شيء من أحاديثه فليطالعه يجدما يزول به شكه إن شاء الله تعالى
فصل إذا كان يقرأ ماشيا
فمر على قوم يستحب أنيقطع القراءة ويسلم عليهم ثم يرجع إلى القراءة ولو أعاد التعوذ كان حسنا ولو كانيقرأ جالسا فمر عليه غيره فقد قال الإمام أبو الحسن الواحدي الأولى ترك السلام علىالقارئ لاشتغاله بالتلاوة قال فإن سلم عليه إنسان كفاه الرد بالإشارة قال فإن أرادالرد باللفظ رده ثم استأنف الاستعاذة وعاود التلاوة وهذا الذي قاله ضعيف والظاهروجوب الرد باللفظ فقد قال أصحابنا إذا سلم الداخل يوم الجمعة في حال الخطبة وقلناالإنصات سنة وجب له رد السلام على أصح الوجهين فإذا قالوا هذا في حال الخطبة معالاختلاف في وجوب الإنصات وتحريم الكلام ففي حال القراءة التي لا يحرم الكلام فيهابالإجماع أولى مع أن رد السلام واجب بالجملة والله أعلم وأما إذا عطس في حالالقراءة فإنه يستحب أن يقول الحمد لله وكذا لو كان في الصلاة ولو عطس غيره وهو يقرأالصلاة وقال الحمد لله يستحب للقارئ أن يشمته فيقول يرحمك الله ولو سمع المؤذن قطعالقراءة وأجابه بمتابعته في ألفاظ الأذان والإقامة ثم يعود إلى قراءته وهذا متفقعليه ثم أصحابنا وأما إذا طلبت منه حاجة في حال القراءة وأمكنه جواب السائلبالإشارة المفهمة وعلم أنه لا ينكسر قلبه ولا يحصل عليه شيء من الأذى للأنس الذيبينها بينهما ونحوه فالأولى أن يجيبه بالإشارة ولا يقطع القراءة فإن قطعها جازوالله أعلم
فصل في أحكام نفيسة تتعلق بالقراءة في الصلاة
أبالغ في اختصارها فإنها مشهورة في كتب الفقه منها أنه يجب القراءة فيالصلاة المفروضة بإجماع العلماء ثم قال مالك والشافعي وأحمد وجماهير العلماء تتعينقراءة الفاتحة في كل ركعة وقال أبو حنيفة وجماعة لا تتعين الفاتحة أبدا قال ولا تجبقراءة الفاتحة في الركعتين الأخيرتين والصواب الأول فقد تظاهرت عليها الأدلة منالسنة ويكفي من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ولا تجزئ صلاة لايقرأ فيها بأم القرآن وأجمعوا على استحباب قراءة السورة بعد الفاتحة في ركعتي الصبحوالأولتين من باقي الصلوات واختلفوا في استحبابها في الثالثة والرابعة وللشافعيفيها قولان الجديد أنها لا تستحب والقديم أنها تستحب قال أصحابنا وإذا قلنا إنهاتستحب فلا خلاف أنه يستحب أن يكون أقل من القراءة في الأولتين قالوا وتكون القراءةفي الثالثة والرابعية سواء وهل تطول الأولى على الثانية فيها وجهان أصحهما ثم جمهورأصحابنا أنها لا تطول والثاني وهو الصحيح ثم المحققين أنها تطول وهو المختار للحديثالصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان المطلوب في الأولى ما لا المطلوب فيالثانية وفائدته أن يدرك المتأخر الركعة الأولى والله أعلم قال الشافعي رحمه اللهوإذا أدرك المسبوق مع الإمام الركعتين الأخيرتين من الظهر وغيرها ثم قام إلىالإتيان بما بقي عليه استحب أن يقرأ السورة قال الجماهير من أصحابنا هذا علىالقولين وقال بعضهم هذا على قوله يقرأ السورة في الأخيرتين أما على الآخر فلاوالصواب الأول لئلا تخلو صلاته من سورة والله أعلم هذا حكم الإمام المنفرد أماالمأموم فإن كانت صلاته سرية وجبت عليه الفاتحة واستحب له السورة وإن كانت جهريةفإن كان يسمع قراءة الإمام كره له قراءة السورة وفي وجوب الفاتحة قولان أصحهما تجبوالثاني لا تجب وإن كان لا يسمع القراءة فالصحيح وجوب الفاتحة واستحباب السورة وقيلتجب ولا تستحب السورة والله أعلم وتجب قراءة الفاتحة في الركعة الأولى من صلاةالجنازة وأما قراءة الفاتحة في صلاة النافلة فلا بد منها واختلف أصحابنا في تسميتهافيها فقال القفال تسمى واجبة وقال صاحبه القاضي حسين تسمى شرطا وقال غيرهما تسمىركنا وهو الأظهر والله أعلم والعاجز عن الفاتحة في هذا كله يأتي ببدلها فيقرأبقدرها من غيرها من القرآن فإن لم يحسن أتى بقدرها من الأذكار كالتسبيح والتهليلونحوهما فإن لم يحسن شيئا وقف بقدر القراءة والله أعلم
فصل لا بأس بالجمع بين سورتين في ركعة واحدة
فقد ثبت في الصحيحين من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال لقد عرفتالنظائر التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن بينهن فذكر عشرين سورة منالمفصل كل سورتين في ركعة وقد قدمنا عن جماعة من السلف قراءة الختمة في ركعة واحدة
فصل
أجمع المسلمون على استحباب الجهر بالقراءة في الصبح والجمعة والعيدينوالأولتين من المغرب والعشاء وفي صلاة التراويح والوتر عقيبها وهذا مستحب للإماموالمنفرد بما ينفرد به منها وأما المأموم فلا يجهر بالإجماع ويسن الجهر في صلاةكسوف القمر ولا يجهر في كسوف الشمس ويجهر في الاستقاء ولا يجهر في الجنازة إذا صليتبالنهار وكذا في الليل على المذهب الصحيح المختار ولا يجهر في نوافل ما ذكرناه منالعيد والاستقاء واختلف أصحابنا في نوافل الليل فالأظهر أنه لا يجهر والثاني أنهيجهر والثالث وهو الأصح وبه قطع القاضي حسين والبغوي يقرأ بين الجهر والإسرار ولوفاته صلاة بالليل فقضاها بالنهار أو بالنهار فقضاها بالليل فهل يعتبر في الجهروالإسرار وقت الفوات أم وقت القضاء فيه وجهان لأصحابنا أظهرهما الاعتبار بوقتالقضاء ولو الرجعة في موضع الإسرار أو أسر في موضع الجهر فصلاته صحيحة ولكنه ارتكبالمكروه ولا يسجد للسهو واعلم أن الإسرار في القراءة والتكبيرات وغيرهما من الأذكارهو أن يقوله بحيث يسمع نفسه ولا بد من نطقه بحيث يسمع نفسه إذا كان ولا عارض له فإنلم يسمع نفسه لم تصح قراءته ولا غيرها من الأذكار بلا خلاف
فصل
قال أصحابنا يستحب للإمام في الصلاة الجهرية أن يسكت أربع سكتات في حالالقيام إحداها أن يسكت بعد تكبيرة الإحرام ليقرأ دعاء التوجه وليحرم المأمومونوالثانية عقيب الفاتحة سكتة لطيفة جدا بين آخر الفاتحة وبين آمين لئلا يتوهم أنآمين من الفاتحة والثالثة بعد آمين سكتة طويلة بحيث يقرأ المأمومون الفاتحةوالرابعة من السورة يفصل بها بين القراءة وتكبير الهوي إلى الركوع
فصل
يستحب لكلقارئ كان في الصلاة أو في غيرها إذا فرغ من الفاتحة أن يقول آمين والأحاديث في ذلككثيرة مشهورة وقد قدمنا في الفصل قبله أنه يستحب أن يفصل بين آخر الفاتحة وآمينبسكتة لطيفة ومعناه اللهم استجب وقيل كذلك فليكن وقيل افعل وقيل معناه لا يقدر علىهذا أحد سواك وقيل معناه لا تخيب رجاءنا وقيل معناه اللهم أمنا بخير وقيل هو طابعلله على عباده يدفع به عنهم الآفات وقيل هي درجة في الجنة يستحقها قائلها وقيل هواسم من أسماء الله تعالى وأنكر المحققون والمجاهير هذا وقيل هو اسم معرب وقال أبوبكر الوراق هو قوة للدعاء واستنزال للرحمة ذلك وفي آمين لغات قال العلماء أفصحهاآمين بالمد وتخفيف الميم والثانية
بالقصر وهاتان مشهورتان والثالثة آمينبالإمالة مع المد حكاها الواحدي عن حمزة روينا والرابعة بتشديد الميم مع المد حكاهاعن الحسن والحسين ابن الفضيل قال ويحقق ذلك ما روي عن جعفر الصادق رضي الله عنه قالمعناه قاصدين نحوك وأنت أكرم من أن تخيب قاصدا هذا كلام الواحدي وهذه الرابعة غريبةجدا فقد عدها أكثر أهل اللغة من لحن العوام وقال جماعة من أصحابنا من قالها فيالصلاة بطلت صلاته قال أهل العربية حقها في العربية الوقف لأنها بمنزلة الأصواتفإذا وصلها فتح النون لالتقاء الساكنين كما حسنة في أين وكيف فلم تكسر لثقل الكسرةبعد الياء فهذا مختصر مما يتعلق بلفظ آمين وقد بسطت القول فيها بالشواهد وزيادةالأقوال في كتاب تهذيب الأسماء واللغات قال العلماء ويستحب التأمين في الصلاةللإمام والمأموم والمنفرد ويجهر الإمام والمنفرد بلفظ آمين في صلاة الجهريةواختلفوا في الرجعة المأموم والصحيح أنه يجهر والثاني لا يجهر والثالث يجهر إن كانجمعا كثيرا وإلا فلا ويكون تأمين المأموم مع تأمين الإمام لا قبله ولا بعده لقولالنبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح إذا قال الإمام ولا الضالين فقولوا آمين فمنوافق تأمينه تأمين الملائكة غفر الله له ما تقدم من ذنبه وأما قوله صلى الله عليهوسلم في الصحيح إذا أمن الإمام فأمنوا فمعناه إذا أراد التأمين قال أصحابنا وليس فيالصلاة موضع يستحب أن يقترن قول المأموم بقول الإمام إلا في قوله آمين وأما فيالأقوال الباقية فيتأخر قول المأموم
فصل في سجود التلاوة
وهو مما يتأكد الاعتناء به فقد أجمع العلماء على الأمر بسجود التلاوةواختلفوا في أنه أمر استحباب أم إيجاب فقال الجماهير ليس بواجب بل مستحب وهذا قولعمر بن الخطاب رضي الله عنه وابن عباس وعمران بن حصين ومالك والأوزاعي والشافعيوأحمد وإسحق وأبي ثور وداود وغيرهم وقال أبو حنيفة رحمه الله هو واجب واحتج بقولهتعالى فما لهم لا يؤمنون وإذا قرأ عليهم القرآن لا يسجدون واحتج الجمهور بما صح عنعمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قرأ على المنبر يوم الجمعة سورة النمل حتى إذا جاءالسجدة نزل فسجد وسجد الناس حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها حتى إذا جاءالسجدة قال يا أيها الناس إنما نمر بالسجود فمن سجد فقد أصاب ومن لم يسجد فلا إثمعليه ولم يسجد عمر رواه البخاري وهذا الفعل والقول من عمر رضي الله عنه في هذاالمجمع دليل ظاهر وأما الجواب عن الآية التي احتج بها أبو حنيفة رضي الله عنه فظاهرلأن المراد ذمهم على ترك السجود تكذيبا كما قال تعالى بعده بل الذين كفروا يكذبونوثبت في الصحيحين عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قرأ على النبي صلى الله عليهوسلم والنجم فلم يسجد وثبت في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم سجد في النجم فدلعلى أنه ليس بواجب
فصل في بيان عدد السجدات ومحلها
أما عددها المختار الذي قالهالشافعي رحمه الله والجماهير أنها أربع عشرة سجدة في الأعراف والرعد والنخل وسبحانومريم وفي الحج سجدتان وفي الفرقان والنمل وألم وحم السجدة والنجم وإذا السماءانشقت واقرأ باسم ربك وأما سجدة ص فمستحبة فليست من عزائم السجود أي متأكد أنه ثبتفي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال ص ليست من عزائم السجود وقد رأيتالنبي صلى الله عليه وسلم سجد فيها هذا مذهب الشافعي ومن قال مثله وقال أبو حنيفةهي أربع عشرة ايضا لكن أسقط الثانية من الحج وأثبت سجدة ص وجعلها من العزائم وعنأحمد روايتان إحداهما كالشافعي والثانية خمس عشرة زاد ص وهو قول أبي العباس بن شريحوأبي إسحق المروزي من أصحاب الشافعي وعن مالك روايتان إحداهما كالشافعي وأشهرهماإحدى عشرة أسقط النجم وإذا السماء انشقت واقرأ وهو قول قديم للشافعي والصحيح ماقدمناه والأحاديث الصحيحة تدل عليه وأما محلها فسجدة الأعراف في آخرها والرعد عقيبقوله عز وجل بالغدو والآصال والنحل ويفعلون ما يؤمرون وفي سبحان ويزيدهم خشوعا وفيمريم خروا سجدا وبكيا والأولى من سجدتي الحج إن الله يفعل ما يشاء والثانية وافعلواالخير لعلكم تفلحون والفرقان وزادهم نفورا والنمل رب العرش العظيم وألم تنزيل وهملا يستكبرون وحم لا يسأمون والنجم في آخرها وإذا السماء انشقت لا يسجدون واقرأ فيآخرها ولا خلاف يعتد به في شيء من مواضعها إلا التي في حم فإن العلماء اختلفوا فيهافذهب الشافعي وأصحابه إنها ما ذكرناه
إنها عقيب يسأمون وهذا مذهب سعيد بن المسيبومحمد بن سيرين وأبي وائل شقيق ابن سلمة وسفيان الثوري وأبي حنيفة وأحمد وإسحق بنراهويه وذهب آخرون إلى أنها عقيب قوله تعالى إن كنتم إياه تعبدون حكاه ابن المنذرعن عمر بن الخطاب والحسن البصري وأصحاب عبدالله بن مسعود وإبراهيم النخعي وأبي صالحوطلعت بن مصرف وزبير بن الحرث ومالك بن أنس والليث بن سعد وهو وجه لبعض أصحابالشافعي حكاه البغوي في التهذيب وأما قول أبي الحسن علي بن سعيد العبد من أصحابنافي كتابه الكفاية في اختلاف الفقهاء عندنا أن سجدة النمل هي ثم قوله تعالى ويعلم مايخفون وما يعلنون قال وهذا مذهب أكثر الفقهاء وقال مالك هي ثم قوله تعالى رب العرشالعظيم فهذا الذي نقله عن مذهبنا ومذهب أكثر معروف ولا مقبول بل غلط ظاهر وهذه كتبأصحابنا مصرحة بأنها ثم قوله تعالى رب العرش العظيم
فصل حكم سجود التلاوة
حكم صلاةالنافلة في اشتراط الطهارة عن الحدث وعن النجاسة وفي استقباله القبلة وستر العورةفتحرم على من ببدنه أو ثوبه معفو عنها وعلى المحدث إلا إذا تيمم في موضع يجوز فيهالتيمم وتحرم القبلة إلا في السفر حيث تجوز النافلة القبلة وهذا كله متفق عليه
فصل
إذا قرأ سجدة ص فمن قال إنها من عزائم السجود قال يسجد سواء قرأها في الصلاة أوخارجها كسائر السجدات وأما الشافعي وغيره ممن قال ليست من العزائم فقالوا إذا قرأهاخارج الصلاة استحب له السجود لأن النبي صلى الله عليه وسلم سجد فيها كما قدمناه وإنقرأها في الصلاة لم يسجد فإن سجد وهو جاهل أو ناس لم تبطل صلاته ولكن يسجد للسهووإن كان عالما فالصحيح أنه تبطل صلاته لأنه زاد في الصلاة ما ليس منها فبطلت كما لوسجد للشكر فإنها تبطل صلاته بلا خلاف والثاني لا تبطل لأن له تعلقا بالصلاة ولو سجدإمامه في ص لكونه يعتقدها من العزائم والمأموم لا يعتقد فلا يتابعه بل يفارقه أوينتظره قائما وإذا انتظره هل يسجد للسهو فيه وجهان أظهرهما أنه لا يسجد
فصل
فيمنيسن له السجود اعلم أنه يسن للقارئ المطهر بالماء أو التراب حيث يجوز سواء كان فيالصلاة أو خارجا منها ويسن للمستمع ويسن أيضا المستمع ولكن قال الشافعي لا أؤكد فيحقه كما أؤكد في حق المستمع هذا هو الصحيح وقال إمام الحرمين من أصحابنا لا يسجدالسامع والمشهور الأول وسواء كان القارئ في الصلاة أو خارجا منها يسن للسامعوالمستمع السجود وسواء سجد القارئ أم لا هذا هو الصحيح المشهور ثم أصحاب الشافعي لايسجد المستمع لقراءة من في الصلاة وقال الصيدلاني من أصحاب الشافعي لا يسن السجودإلا أن يسجد القارئ والصواب الأول ولا فرق بين أن يكون القارئ مسلما بالغا متطهرارجلا وبين أن يكون كافرا أو صبيا أو محدثا أو امرأة هذا هو الصحيح عندنا وبه قالأبو حنيفة وقال بعض أصحابنا لا يسجد
لقراءة الكافر والصبي والمحدث والسكران وقالجماعة من السلف لا يسجد لقراءة المرأة حكاه ابن المنذر عن قتادة ومالك وإسحقوالصواب ما قدمناه
فصل
في اختصار السجود وهو أن يقرأ آية أو آيتين ثم يسجد حكى ابنالمنذر عن الشعبي والحسن البصري ومحمد بن سيرين والنخعي وأحمد وإسحق أنهم كرهوا ذلكوعن أبي حنيفة ومحمد بن الحسن وأبي ثور أنه لا بأس به وهذا مقتضى مذهبنا
فصل
إذاكان مصليا منفردا سجد لقراءة نفسه فلو ترك سجود التلاوة وركع ثم أراد أن يسجدللتلاوة لم يجز فإن فعل مع العلم بطلت صلاته وإن كان قد هوى لسجود التلاوة ثم بداله ورجع إلى القيام جاز أما إذا أصغى المنفرد بالصلاة لقراءة قارئ في الصلاة أوغيرها فلا يجوز له أن يسجد ولو سجد مع العلم بطلت صلاته أما المصلي في جماعة فإنكان إماما فهو كالمنفرد وإذا سجد الإمام لتلاوة نفسه وجب على المأموم أن يسجد معهفإن لم يفعل بطلت صلاته فإن لم يسجد الإمام لم يجز للمأموم السجود فإن سجد بطلتصلاته ولكن يستحب أن يسجد إذا فرغ من الصلاة ولا يتأكد ولو سجد الإمام ولم يعلمالمأموم حتى رفع الإمام رأسه من السجود فهو معذور في تخلفه ولا يجوز أن يسجد ولوعلم والإمام بعد في السجود وجب السجود فلو هوى إلى السجود فرفع الإمام رأسه وهو فيالهوي يرفع معه ولم يجز السجود وكذا الضعيف الذي هوى مع الإمام إذا رفع الإمام قبلبلوغ الضعيف إلى السجود لسرعة الإمام وبطء المأموم يرجع معه ولا يسجد وأما إن كانالمصلي مأموما فلا يجوز أن يسجد لقراءة نفسه ولا إمامه فإن سجد بطلت صلاته وتكره لهإمامه
فصل في وقت السجود للتلاوة
قال العلماء ينبغي أن يقع عقيب آية السجدة التي قرأها أو سمعها فإن أخر ولميطل الفصل سجد وإن طال فقد فات السجود فلا يقضي على المذهب الصحيح المشهور كما لاتقضى صلاة الكسوف وقال بعض أصحابنا فيه قول ضعيف أنه يقضي كما تقضى السنن الراتبةكسنة الصبح والظهر وغيرهما فأما إذا كان القارئ أو المستمع محدثا ثم تلاوة السجدةفإن تطهر عن قرب سجد وإن تأخرت طهارته حتى طال الفصل فالصحيح المختار الذي قطع بهالأكثرون أنه لا يسجد وقيل يسجد وهو اختيار البغوي من أصحابنا كما يجيب المؤذن منالصلاة والاعتبار في طول الفصل في هذا بالعرف على المختار واللهأعلم
فصل إذا قرأ السجدات كلها
أو سجدات منها في مجلس واحد سجد لكل سجدة بلا خلاف فإن كرر الآية الواحدةفي مجالس سجد لكل مرة بلا خلاف فإن كررها في المجلس الواحد نظر فإن لم يسجد للمرةالأولى كفاه سجدة واحدة عن الجميعوإن سجد للأولى ففيه ثلاثة أوجه أصحها يسجد لكلمرة سجدة لتجدد السبب بعد توفية حكم الأول والثاني يكفيه سجدة الأولى عن الجميع وهوقول ابن سريج وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله قال صاحب العدة من أصحابنا وعليه الفتوىواختاره الشيخ نصر المقدسي لصاحب من أصحابنا والثالث إن طال الفصل سجد وإلا فتكفيهالأولى أما إذا كرر السجدة الواحدة في الصلاة فإن كان في ركعة فهي كالمجلس الواحدفيكون فيه الأوجه الثلاثة وإن كان في ركعتين فكالمجلسين فيعيد السجود بلاخلاف
فصل إذا قرأ السجدة وهو راكب
على دابة في السفر سجد بالإيماء هذا مذهبنا ومذهب مالك وأبي حنيفة وأبي يوسفومحمد وأحمد وزفر وداود وغيرهم وقال بعض أصحاب أبي حنيفة لا يسجد والصواب مذهبالجماهير وأما الراكب في الحضر فلا يجوز أن يسجد بالإيماء
فصل
إذا قرأ آية السجدةفي الصلاة قبل الفاتحة سجد بخلاف ما إذا قرأ في الركوع أو السجود فإنه لا يجوز أنيسجد لأن القيام محل القراءة ولو قرأ السجدة فهوى ليسجد فشك هل قرأ الفاتحة فإنهيسجد للتلاوة ثم يعود إلى القيام فيقرأ الفاتحة لأن سجود التلاوة لا يؤخر
فصل
لوقرأ آية السجدة بالفارسية لا يسجد عندنا كما آية سجدة وقال أبو حنيفة يسجد
فصل
إذاسجد المستمع مع القارئ لا يرتبط به ولا ينوي الاقتداء به وله الرفع من السجود قبله
فصل
لا تكره قراءة آية السجدة للإمام عندنا سواء كانت الصلاة سرية أو جهرية ويسجدإذا قرأها وقال مالك يكره ذلك مطلقا وقال أبو حنيفة يكره في السرية دونالجهرية
فصل
لا يكره عندنا سجود التلاوة في الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها وبه قالالشعبي والحسن البصري وسالم بن عبدالله والقاسم وعطاء وعكرمة وأبو حنيفة وأصحابالرأي ومالك في إحدى الروايتين وكرهت ذلك طائفة من العلماء منهم عبدالله بن عمروسعيد بن المسيب ومالك في الرواية الأخرى وإسحق بن راهويه وأبو ثور
فصل
لايقوم الركوع مقام سجدة التلاوة في حال الاختيار وهذا مذهبنا ومذهب جماهير العلماءالسلف والخلف وقال أبو حنيفة رحمه الله يقوم مقامه ودليل الجمهور القياس على سجودالصلاة وأما العاجز عن السجود فيومئ إليه كما يومئ لسجود الصلاة
فصل في صفة السجود
اعلم أن الساجد للتلاوة له حالان أحدهما أن يكون خارج الصلاة والثاني أنيكون فيها أما الأول فإذا أراد السجود نوى سجود التلاوة وكبر للإحرام ورفع يديه حذومنكبيه كما يفعل في تكبيرة الإحرام للصلاة ثم يكبر تكبيرة أخرى للهوي إلى السجودولا يرفع فيها اليد وهذه التكبيرة الثانية مستحبة ليست بشرط كتكبيرة سجدة الصلاةوأما التكبيرة الأولى تكبيرة الإحرام ففيها ثلاثة أوجه لأصحابنا أظهرها وهو قولالأكثرين منهم أنها ركن ولا يصح السجود إلا بها والثاني أنها مستحبة ولو تركت صحالسجود وهذا قول الشيخ أبي محمد الجويني والثالث ليست مستحبة والله أعلم ثم إن كانالذي يريد السجود قائما كبر للإحرام في حال قيامه ثم يكبر للسجود في انحطاطه إلىالسجود وإن كان جالسا فقد قال جماعات من أصحابنا يستحب له أني قوم فيكبر للإحرامقائما ثم يهوي للسجود كما إذا كان في الابتداء قائما ودليل هذا القياس على الإحراموالسجود في الصلاة وممن نص على هذا وجزم به من أئمة أصحابنا الشيخ أبو محمد الجوينيوالقاضي حسين وصاحباه صاحب التتمة والتهذيب والإمام المحقق أبو القاسم الرافعيوحكاه إمام الحرمين عن والده الشيخ أبي محمد ثم أنكره وقال لم أر لهذا أصلا ولاذكرا وهذا الذي قاله إمام الحرمين ظاهر فلم يثبت فيه شيء عن النبي صلى الله عليهوسلم ولا عمن يقتدي به من السلف ولا تعرض له الجمهور من أصحابنا والله أعلم ثم إذاسجد فينبغي أن يراعي آداب السجود في الهيئة والتسبيح أما الهيئة فينبغي أن يضع يديهحذو منكبيه على الأرض ويضم أصابعه وينشرها إلى جهة القبلة ويخرجها من كمه ويباشرالمصلي بها ويجافي مرفقيه عن جنبيه ويرفع بطنه عن فخذيه إن كان رجلا فإن كانت امرأةأو خنثى لم يجاف ويرفع الساجد أسافله على رأسه ويمكن جبهته وأنفه من المصلى ويطمئنفي سجوده وأما التسبيح في السجود فقال أصحابنا يسبح بما يسبح به في سجود الصلاةفيقول ثلاث مرات سبحان ربي الأعلى ثم يقول اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت سجدوجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته تبارك الله أحسن الخالقين ويقولسبوح قدوس رب الملائكة والروح فهذا كله مما يقوله المصلي في سجود الصلاة قالواويستحب أن يقول اللهم اكتب لي بها عندك أجرا واجعلها لي عندك ذخرا وضع عني وزراواقبلها مني كما قبلتها من عبدك داود صلى الله عليه وسلم وهذا الدعاء خصيص بهذاالسجود فينبغي أن يحافظ عليه وذكر الأستاذ إسماعيل الضرير في كتابه التفسير أناختيار الشافعي رضي الله عنه في دعاء سجود التلاوة أن يقول سبحان ربنا إن كان وعدربنا لمفعولا وهذا النقل عن الشافعي غريب جدا وهو حسن فإن ظاهر القرآن يقتضي مدحقائله في السجود فيستحب أن يجمع بين هذه الأذكار كلها ويدعو بما يريد من أمورالآخرة والدنيا وإن اقتصر على بعضها حصل أصل التسبيح ولو لم يسبح بشيء أصلا حصلالسجود كسجود الصلاة ثم إذا فرغ من التسبيح والدعاء رفع رأسه مكبرا وهل يفتقر إلىالسلام فيه قولان منصوصان للشافعي مشهوران أصحهما ثم جماهير أصحابه أنه يفتقرلافتقاره إلى الإحرام الرجعة كصلاة الجنارة ويؤيد هذا ما رواه ابن أبي داود بإسنادهالصحيح عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه كان إذا قرأ السجدة سجد ثم سلموالثاني لا يفتقر كسجود التلاوة في الصلاة ولأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليهوسلم ذلك فعلى الأول هل يفتقر إلى التشهد فيه وجهان أصحهما لا يفتقر كما لا يفتقرإلى القيام وبعض أصحابنا يجمع بين فاذا ويقول في التشهد والسلام ثلاثة أوجه أصحهاأنه لا بد من السلام دون التشهد والثاني لا يحتاج إلى واحد منهما والثالث لا بدمنهما وممن قال من السلف يسلم محمد بن سيرين وأبو عبدالرحمن السلمي وأبو الأحوصوأبو قلابة وإسحاق بن راهويه وممن قال لا يسلم الحسن البصري وسعيد بن جبير وإبراهيمالنخعي ويحيى بن وثاب وأحمد وهذا كله في الحال الأول وهو السجود خارج الصلاة والحالالثاني أن يسجد للتلاوة في الصلاة فلا يكبر للإحرام ويستحب أن يكبر للسجود ولا يرفعيديه ويكبر للرفع من السجود هذا هو الصحيح المشهور الذي قاله الجمهور وقال أبو عليبن أبي هريرة من أصحابنا لا يكبر للسجود و لا للرفع والمعروف الأول وأما الآداب فيهيئة السجود والتسبيح فعلى ما تقدم في السجود خارج الصلاة إلا أنه إذا كان الساجدإماما فينبغي أن لا المطلوب التسبيح إلا أن يعلم من حال المأمومين أنهم يؤثرونالتطويل ثم إذا رفع من السجود قام ولا يجلس للاستراحة بلا خلاف وهذه مسألة غريبة قلمن نص عليها وممن نص عليها القاضي حسين والبغوي والرافعي هذا بخلاف سجود الصلاة فإنالقول الصحيح المنصوص للشافعي المختار الذي جاءت به الأحاديث الصحيحة في البخاريوغيره استحباب جلسته للاستراحة عقيب السجدة الثانية من الركعة الأولى في كل الصلواتومن الثالثة في الرباعيات ثم إذا رفع من سجدة التلاوة فلا بد من الانتصاب قائماوالمستحب إذا انتصب أن يقرأ شيئا فإن انتصب ثم ركع قراءة جاز
فصل
في الأوقاتالمختارة للقراءة اعلم أن أفضل القراءة ما كان في الصلاة ومذهب الشافعي وغيره أنتطويل القيام في الصلاة أفضل من تطويل السجود وغيره وأما القراءة الصلاة فأفضلهاقراءة الليل والنصف الأخير من الليل أفضل من النصف الأول والقراءة بين المغربوالعشاء محبوبة وأما القراءة في النهار فأفضلها بعد صلاة الصبح ولا كراهية فيالقراءة في وقت من الأوقات لمعنى فيه وأما ما رواه ابن أبي داود عن معاذ بن رفاعةعن مشايخه أنهم كرهوا القراءة بعد العصر وقالوا هي دراسة مقبول ولا أصل له ويختارمن الأيام الجمعة والاثنين والخميس ويوم عرفة ومن الأعشار العشر الأخير من رمضانوالعشر الأول من ذي الحجة ومن الشهور رمضان
فصل
إذا أرتج على القارئ ولم يدر ما بعدالموضع الذي انتهى إليه فسأل عنه غيره فينبغي أن يتأدب بما جاء عن عبدالله بن مسعودوإبراهيم النخعي وبشير بن أبي مسعود رضي الله عنهم قالوا إذا سأل أحدكم أخاه عن آيةفليقرأ ما قبلها ثم يسكت ولا يقول كيف كذا وكذا فإنه يلبس عليه
فصل
إذا أراد أنيستدل بآية فله أن يقول قال الله تعالى كذا وله أن يقول الله تعالى يقول كذا ولاكراهة في شيء من هذا هذا هو الصحيح المختار الذي عليه عمل السلف والخلف ورى ابن أبيداود عن مطرف بن عبدالله بن الشخير التابعي المشهور قال لا تقولوا إن الله تعالىيقول ولكن قولوا إن الله تعالى قال وهذا الذي أنكره مطرف رحمه الله خلاف ما جاء بهالقرآن والسنة وفعلته الصحابة ومن بعدهم رضي الله عنهم فقد قال الله تعالى واللهيقول الحق وهو يهدي السبيل وفي صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه قال قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم يقول الله سبحانه وتعالى من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وفيصحيح البخاري في باب تفسير لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون فقال أبو طلحة يارسول الله إن الله تعالى يقول
لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون فهذا كلامأبي طلحة في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم وفي الصحيح عن مسروق رحمه الله قال قلتلعائشة رضي الله عنها ألم يقل الله تعالى ولقد رآه بالأفق المبين فقالت ألم تسمع أنالله تعالى يقول لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار أو لم تسمع أن الله تعالى يقولوما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب الآية ثم قالت في هذا الحديثوالله تعالى يقول يا أيها الرسول بلغ ثم قالت والله تعالى يقول قل لا يعلم من فيالسماوات والأرض الغيب إلا الله ونظائر هذا في كلام السلف والخلف أكثر من أن تحصروالله أعلم
فصل في آداب الختم وما يتعلق به
فيه مسائل الأولى في وقته قد تقدم أن الختم للقارئ
حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آل محمدكما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت علىإبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد المسألة الخامسة يستحب إذا فرغمن الختمة أن يشرع في أخرى عقيب الختمة فقد استحبه السلف واحتجوا فيه بحديث أنس رضيالله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خير الأعمال الحل والرحلة قيل وماهما قال افتتاح القرآن وختمه